الحياة البرلمانية السورية منذ العام 1919… تجربة ديمقراطية رائدة يواصل السوريون خوضها بجدارة

دمشق-سانا

لم تكن الحياة البرلمانية السورية وليدة اللحظة بل جاءت نتاجاً مباشراً لتجارب ديمقراطية عديدة خاضها السوريون بجدارة منذ السابع من حزيران في العام 1919 حين عقد المؤتمر السوري في دمشق بمشاركة 85 نائباً ومثل آنذاك أول صيغة برلمانية فريدة من نوعها في الوطن العربي أيقظت طموح الحرية والاستقلال لدى الشعب العربي.

رواد التجربة الديمقراطية السورية عام 1919 شقوا طريقهم ببسالة نادرة وسط صعاب جمة بمواجهة الاحتلال العثماني الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة آنذاك متوجين كفاح الشعب السوري بقرارات مصيرية في العام 1920 شكلت عامل رعب لقوى الانتداب مجتمعة لعل أهمها إعلان سورية دولة مستقلة ذات سيادة ورفض التدخل الأجنبي ووعد بلفور والانتداب الفرنسي ووضع دستور مؤقت للبلاد سمي حينها بالقانون الأساسي لكن دخول قوات الاحتلال الفرنسي إلى دمشق بقيادة الجنرال غورو عقب معركة ميسلون البطولية التي أسفرت عن استشهاد القائد البطل يوسف العظمة وزير الحربية عرقل تحقيق أهداف المؤتمر السوري ومع ذلك لم تنطفئ جذوة المقاومة لدى السوريين فوجد الانتداب الفرنسي نفسه مرغماً في العام 1923 على قبول تشكيل المجلس التمثيلي والنيابي برئاسة بديع العظم استجابة للمطالب الوطنية السورية.

وحملت رياح عام 1925 معها التغيير تحت ثقل ضربات المقاومين السوريين دافعة الانتداب الفرنسي للاستجابة لمطالب الشعب وإجراء انتخابات برلمانية عامة توجت بإعلان المجلس التأسيسي عام 1928 وانتخاب هاشم الأتاسي رئيساً له ووضع أول دستور سوري دائم إلا أن ما يسمى “المندوب السامي” اعترض على مضمونه وعطل المجلس حتى عام 1932 الذي تكررت فيه تجربة الانتخابات البرلمانية وانعقد المجلس النيابي المنتخب فقدمت له سلطات الانتداب معاهدة سياسية محاولة إرغامه على التوقيع عليها ولكنه رفض مجدداً الإملاءات الفرنسية ما أدى إلى تعطيله من قبل  مايسمى “المندوب السامي” إلى أجل غير مسمى.

وكان للمجلسين النيابيين المنتخبين عامي 1936 و1943 برئاسة فارس الخوري دور أساسي في استمرار الإضراب واتخاذ قرارات مهمة تصب باتجاه الاستقلال الأمر الذي أثار وحشية المستعمر الفرنسي فارتكب مجزرة بشعة في الـ 29 من أيار عام 1943 حيث هاجمت قوات الاحتلال الفرنسي مبنى المجلس النيابي بدمشق وقتلت حاميته البالغ عددهم 28 دركياً بسبب رفضهم تأدية التحية للعلم الفرنسي واقتحمت المبنى وأحرقت وثائقه وهدمت معظمه.

ونتيجة لاستمرار الغليان والثورة الشعبية ضد سلطات الاحتلال الفرنسي تمكنت سورية في نهاية المطاف من تحقيق الاستقلال وتم فعلاً جلاء آخر جندي فرنسي في الـ 17 من نيسان 1946 وبدأ عهد الحرية والسيادة الوطنية وبناء مؤسسات الشعب حيث تم انتخاب مجلس للنواب في العام 1947.

وفي عام 1960 جرت انتخابات مجلس الأمة في الجمهورية العربية المتحدة بعد الوحدة بين سورية ومصر ولكنه لم يعمر طويلاً بسبب الانفصال وأجرى السوريون انتخابات عامة في عام 1961 وتم تشكيل المجلس التأسيسي والنيابي واستمر حتى قيام ثورة الـ 8 من آذار المجيدة عام 1963 التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي حيث أسندت للمجلس الوطني للثورة سلطة التشريع ومهمة وضع دستور دائم للبلاد ومراقبة عمل الحكومة.

وبعد ثورة الثامن من آذار عام 1963 التي توجت بقيام الحركة التصحيحية عام 1970 دخلت سورية عهد الاستقرار الفعلي بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد الذي أرسى دعائم الديمقراطية من خلال تشكيل مجلس الشعب الذي قام بإنجاز الدستور الدائم للبلاد وقانون الانتخابات وأقرهما في العام 1973.

طموحات الشعب السوري تبلورت من خلال مجلس الشعب في قوانين وتشريعات طالت جميع جوانب المجتمع وقضاياه حيث ترسخت سيادة القانون وخلال خمسة عقود من البناء تجاوزت المنجزات المجال التشريعي والقانوني والديمقراطي بشكل عام لتشمل مجمل الاحتياجات وتشكل الأسس الرئيسة لبناء سورية الحديثة التي تقف اليوم وتبنى حاضرها وتضع أسس مستقبلها بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد في مسيرة التحديث والتطوير.

نسبة تمثيل المرأة في مجلس الشعب ارتفعت دوراً بعد دور وهو ما يعد تعبيراً حقيقياً عن وعي المجتمع السوري حيث مارست جميع حقوقها إلى جانب الرجل منذ بدء الحياة السياسية في سورية وكانت حاضرة كنائب في مجلس الأمة منذ العام 1960 من خلال سيدتين هما (جهان موصلي) و(وداد أزهري) وفي المجلس الوطني للثورة بثماني سيدات وفي مجلس الشعب عام 1970 بأربع سيدات وصولاً إلى 32 سيدة في الدور التشريعي الثاني الحالي من أصل 250 عضواً من كل المحافظات حيث تصل نسبتهن إلى أكثر من 12 بالمئة من أعضاء المجلس.

وسيم العدوي

تاريخ النشر

08.07.2020

قراءة المزيد: