سورية أرض المسيح ومهد الديانات والحضارات.

السيد المسيح، بحسب بعض مؤرخي المسيحية، سوري من فلسطين وليس يهودياً على الإطلاق، فقد وُلد في جليل الأمم، وكانت السريانية لسانه، فهو إذاً آرامي من الناصرة، وليس عبرانياً من السامرة أو اليهودية. وسوريا، كما هو مسطور في التاريخ الحي، هي أرض المسيحية الأولى، ففي أنطاكيا (المحتلة اليوم) عُرف أتباع يسوع، أول مرة، باسم المسيحيين. وأولى الكنائس بعد كنيسة القدس التي أسسها القديس بطرس ظهرت في حلب، ثم في حوران. والرواية الإنجيلية تقول إن المسيح ظهر لبولس الذي كان اسمه شاول في الطريق المستقيم ما بين الباب الشرقي في سور دمشق، وباب السريجة في الغرب، وهو ما صار يدعى اليوم «شارع مدحت باشا».
وقريباً من الطريق المستقيم تقع كنيسة حنانيا التي لجأ إليها بولس بعد تحوله من اليهودية إلى المسيحية.
سوريا السريانية هي شقيقة أشوريا، والحضارتان تمثلان جناحَي الحضارة الآرامية. وفي أرجاء سوريا ظهرت أعظم المدن والمدارس الدينية القديمة مثل نصيبين والرُها وماردين، علاوة على أنطاكيا مقر البطاركة.
واللافت أن جميع البطاركة (بطاركة انطاكيا وسائر المشرق) نقلوا كراسيهم قُبيل احتلال الاسكندرون في العام 1939 إلى دمشق وليس إلى لبنان (الموارنة وحدهم كانوا أقاموا كرسيهم البطريركي في جبل لبنان، وهم عرب في القومية وسريان في الطقوس).

وقد قدمت سوريا لكنيسة روما أربعة باباوات، وقبلهم خمسة أباطرة، وفيها ظهرت أهم المدارس اللاهوتية مثل مدارس حلب والرها وانطاكيا ونصيبين. وتنتشر الكنائس المسيحية من مرسين وأضنة السوريتين في الشمال (وهما في تركيا اليوم) إلى درعا وإزرع وامتدادهما نحو الأردن في الجنوب.
وفي هذه البقعة بُنيت آلاف الكنائس والأديرة. وفي حلب وحدها وتوابعها كان يوجد نحو ثلاثة آلاف كنيسة ودير ومدرسة خَرِب معظمها في العهود المملوكية والعثمانية، حتى أن الجامع الأموي الكبير في دمشق عبارة عن كنيسة ما زال قبر يوحنا المعمدان قائماً فيها حتى اليوم. وكبار مؤسسي المسيحية جاؤوا من المناطق السورية أمثال بولس وتاتيانوس وبارديصان ويوحنا ذهبي الفم.
والنسطورية (مذهب الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية) أسسها نسطوريوس الأنطاكي، واليعقوبية أيضاً (مذهب الطبيعة الواحدة اللاهوتية) نشأت على يدي يعقوب البردعي أسقف الرها السرياني. وأبرز الرهبان كان مار مارون مؤسس الكنيسة المارونية (وهو من حلب في الأساس)، وسمعان العمودي الذي ما زالت كنيسته قائمة حتى اليوم في أنحاء حلب.

ظلت سوريا تدين بديانات ما قبل المسيحية حتى القرن الرابع ميلادي حين اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية. فصارت مسيحية منذ ما لا يقل عن 1800 سنة، وبدأت تتحول إلى الإسلام مع الفتح العربي في القرن السابع الهجري ومع توالي هجرة القبائل العربية الجديدة إليها، وكان كثير من هذه القبائل العربية مسيحي في الأساس.
وفي أواخر القرن العشرين كان عدد المسيحيين في الجمهورية العربية السورية قد هبط إلى نحو مليوني نسمة، جراء الهجرات المتلاحقة التي بدأت في أعقاب حوادث 1860 حين هاجر كثير من مسيحيي دمشق إلى جبل لبنان وبيروت. وفي ما بعد، تمادت الهجرات نحو لبنان والقارة الأميركية. وكان المسيحيون يشكلون في العام 1956 نحو 15 في المئة من سكان سوريا، ثم تراجعت نسبتهم إلى ثمانية في المئة في نهاية العام 2000.
ومن بين أكثر الأماكن المسيحية قدسية في العالم بعد بيت لحم والقدس والناصرة الشارع المستقيم وكنيسة حنانيا في دمشق وبلدة معلولا وفيها دير مار تقلا وكنيستها، وبالقرب منها تقع صيدنايا. وهاتان البلدتان الدهريتان تمثلان الحياة النسكية المسيحية بأبهى مظاهرها، خصوصاً أن سكانهما ما زالوا ينطقون بالآرامية كما كان ينطقها السيد المسيح. وبالقرب من معلولا تقع قرية جبعدين التي يتكلم سكانها المسلمون الآرامية أيضاً، ما يفسر وحدة الحياة الروحية والثقافية والحضارية في سوريا التاريخية.

تاريخ النشر

14.03.2018

قراءة المزيد: